الصفحة الرئيسية البحث البريد الالكتروني RSS
فلاشات إخبارية
 
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة

مقالات صحفية مختارة > البطالة ... دولة العجز أقوى من المجتمع


الوفاء : 16-3-2012
الفضل شلق
يمكن القول إن البطالة في لبنان مفتعلة، لا عفوية، وهي الحصيلة الأكيدة لسياسة الدولة، أو ما يبدو غياب سياسة الدولة، هذه السياسة التي تتقاسمها طوائف ثلاث: طائفة المقاومة، وطائفة الوكالات الحصرية، وطائفة مقاومة المقاومة (تحاول تلميع الصورة الآن بالقول طائفة الربيع العربي). في ظروف سيطرة الطوائف على الدولة تتلاشى السياسة وتتلاشى الدولة. والمعروف أنه لا تمكن ممارسة السياسة إلا في إطار الدولة. وعندما تغيب الدولة تغيب السياسة.
تاريخ لبنان الحديث هو تاريخ حرب أهلية متقطعة تخللتها مرحلتان فقط من عمل أو بناء الدولة: المرحلة الأولى شهابية في الستينيات، ولبضع سنوات؛ والمرحلة الأخرى حريرية، ولبضع سنوات أيضاً. الأولى انتهت باستقالة فؤاد شهاب أو تمنعه عن الترشيح، والثانية انتهت بتغير السلطة في نهاية التسعينيات. في المرحلتين، رفضنا وجود الدولة أو بناءها، بعد كل من المرحلتين ساهمنا في تحطيم ما بني، حكومةً وشعباً؛ والشعب ينصاع لطوائفه في ظروف الحرب الأهلية، وينقسم بحسب انقساماتها.
في ربيع 1993 قدمنا (CDR) خطة الإعمار والنهوض الاقتصادي (آفاق 2000). رفض مجلس الوزراء (برغم رئاسة الحريري) استلام الخطة، ورفض مناقشتها، وجرى الإعمار، الذي يستكمل عشوائياً مع الزعم أنه كان يتم انطلاقاً من الخطة.
في صيف 1996، قدمنا (CDR) خطة اثني عشرية، وأرسلت نسخة منها في محفظة لكل نائب ووزير ورئيس؛ ومع ذلك أُهملت ولم تناقش، ولم تصل إلى مرحلة النقاش قبل الإقرار. تم تجاهلها تماماً بقرار سياسي طيّر الخطة وطيّر رئيس مجلس الإنماء والإعمار الذي كان وراءها. حتى الذين عملوا في تحضيرها، أنكروها عندما صاروا في مواقع وزارية في السلطة.
في الحالتين، كان المقترح حوالى مليار دولار من الإنفاق الحكومي على البنى التحتية المادية والاجتماعية. فلسفة البنى التحتية هي توفير هذه المرافق العامة من طرقات، مياه، تصريف مياه ومعالجة، كهرباء، هاتف، مطار، مدينة أو مدن رياضية، مدارس... الخ. توفر هذه المرافق العامة القاعدة التي لا بد منها من أجل تسهيل أمور المواطنين، ومن أجل تسهيل أعمال رجال الأعمال في الصناعة والزراعة والخدمات الذين يحتاجون إلى المرافق لتسهيل حركتهم ودفعهم إلى برمجة استثماراتهم. أشير هنا إلى صعوبة تحضير خطة في ظروف سياسية تنعدم فيها الإحصاءات السكانية الدقيقة. أنت مضطر للتخطيط لمناطق لا تعرف عدد سكانها الفعلي، وتقديم خدمات مادية لمناطق لا تعرف توزيع سكانها إلا بالتقدير.
الخطة إعمارية وليست اقتصادية، تشمل البنى التحتية ولا تشمل الاقتصاد الإنتاجي بفروعه الزراعية والصناعية والخدماتية. فهي لا تقيّد الاقتصاد، بل هي إعلان الدولة لنيات أو قرارات عما تزمع عمله خلال السنوات القادمة لتوفير مرافق عامة يطالب بــها كل اللبـــنانيين؛ وبعضــها مشاريع كانت قد بدأت أو جــرى التخطــيط لــها قــبل الحرب الأهلية ولم تنته.
الأدهى من ذلك كان التركيز على التنظير لعجز موازنة الدولة، لزيادة الدين العام مع ازدياد الفوائد التي صارت مع الزمن تشكل نسبة أعلى بكثير من أصل الدين العام لضخ الأموال بشكل ضرائب للدولة، والدولة تدفعها بشكل خدمة الدين العام للمصارف ومودعيها. صارت الدولة عبارة عن مضخة لضخ الأموال من الفقراء إلى الأغنياء حتى لم يتبق الكثير للاستخدام في الاستثمار من أجل المرافق العامة. الناس يدفعون الضرائب للدولة، والدولة تنقل الأموال عبر الدين العام للمصارف، والمصارف تزداد أموالها بشكل غير مسبوق. يقال إن معظم واردات البنوك من الإيرادات الآتية من الخارج، بينما هي في الحقيقة أموال الفقراء التي تسربت عبر الدولة إلى المصارف.
في هذه الأثناء تم شبك قطاع المصارف بكل البيوت اللبنانية عبر ليبان بوست وعبر إغراءات البنوك للموظفين العاديين للاستدانة واقتناء بطاقات الائتمان للاستدانة الاستهلاكية دون حدود لقاء فوائد عالية... يستدين الفقراء أو الطبقات الدنيا من أجل الاستهلاك، وصولاً إلى العجز عن دفع ديونهم، فيضطرون إلى التخلي عن بيوتهم التي اشتروها ودفعوا أقساطها على مر السنين. ما بدأ مساعدة للطبقات الدنيا، مساعدة اجتماعية للإسكان، صار وسيلة للجباية لصالح المصارف.
عجز ميزانية الدولة، وعجز ميزانية كل عائلة، أديا إلى أن يصير معظم اللبنانيين، بالإضافة إلى دولتهم، يرزحون تحت عبء الديون؛ والمصارف تستوفي منهم خدمة الديون بما يفوق أصول الديون بكثير. نهب منظم وإفقار منظم وبطالة منظمة وعطالة إنتاج منظمة.
في هذا الوقت جرى إهمال الصناعة والزراعة، جرى إهمال القطاعات الإنتاجية، أي جرى حرمان جيل الشباب الجدد من فرص العمل، ما أدى إلى تفشي البطالة وإلى أن يصير لبنان مزرعة تفقيس شبان متعلمين مهيئين للهجرة؛ يعود هؤلاء إلى لبنان في أيام الفرص، وتمتلئ الفنادق، ويصير لبنان عبارة عن فندق كبير للعائدين لقضاء فصل الصيف. أما المقيمون في لبنان فهم يعملون لخدمة هؤلاء. ومن لا يستطع العمل منهم يدُر على مؤسسات المساعدات الاجتماعية للتسوّل، تسوّل المساعدات المالية أو الطبية أو الاجتماعية، تسوّل أي شيء لسد الرمق والتداوي.
يتمثل عجز الدولة في لبنان في العجز عن تشكيل رؤية موحدة للتاريخ اللبناني، المعاصر والقديم، ويتمثل في العجز عن توفير الكهرباء من معامل مركزية رغم توفر مصادر إنتاج الطاقة والتوزيع، ويتمثل في العجز عن إقرار موازنة، والتمنع عن قطع الحساب. وكلها أمور بسيطة يمكن القيام بها خلال أسابيع لو توفر القرار السياسي لذلك. لكن الدولة اللبنانية مبنية على تغييب القرار السياسي بهذا الشأن؛ مبنية على العجز المفتعل، والعجز ليس حصــيلة ندرة الموارد بل هو حصيلة القرار السياسي. أعرف أن هذا القرار السياسي متخذ منذ زمن طويل وأعرف نتائجه. واحدة من هذه النتائج هي البطالة.
غير صحيح أنه ليس لدينا دولة وأن الدولة غائبة بسبب العجز. الدولة موجودة قوية حاضرة، مؤسسة على العجز. نعرف ذلك، إذ إن خدمات الدين العام والدين الخاص تُدفع بالكامل ودون مناقشة في مجلس النواب أو غيره.
الطبقة السياسية، الجديدة القديمة، تخدم أصحاب المصالح الحقيقيين وتؤدي دورها بكل دقة.
لدينا دولة لا تهزها الريح، لكنها مصممة كي تكون دولة العجز والبطالة.السفير 16-3-2012

الصفحة الرئيسية
تعريف بالاتحاد
الجمهورية الاسلامية في ايران
المخيم النقابي المقاوم 2013
معرض الصور
ركن المزارعين
موقف الاسبوع
متون نقابية
بيانات
دراسات وابحاث
ارشيف
اخبار متفرقة
مراسيم -قوانين - قرارات
انتخابات نقابية
مقالات صحفية مختارة
صدى النقابات
اخبار عربية ودولية
اتحادات صديقة
تونس
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
سجل الزوار معرض الصور
القائمة البريدية البحث
الرئيسة RSS
 
Developed by Hadeel.net